من جبال السموكي العظيمة
في صيف 2009 وتحديدا في شهر أوجست، أمضيت ثلاثة أيام في منتزه جبال السموكي العظيمة Great Smoky Mountains في ولايتي تينيسي/نورث كارولاينا.
بتجاوز الحديث عن جمال وعذرية وسحر تلك الجبال، انتقل للحديث إلى جمال وسحر أفلام الفوجي الموجبة (فيلفا Velvia50) وهذا الفيلم اعتبره من أجمل المخلوقات الفوتوغرافية.
خلال زيارتي للمنتزه مع عائلتي قررت التقاط كل ما يمكن من صور. وهذه مشكلة تواجه، من وجهة نظري، المصورين الجوالة، حيث طمع التقاط الكثير من الصور يدمر أحد أهم متع التصوير، التأمل. ومع ذهنية التصوير الرقمي التي تعطي فرصة التقاط ألاف الصور في اليوم، فسدت، بعض من طقوس التصوير الضوئي، وهي، في ما يمهني هنا، الانغماس في الطبيعة قبل تصويرها وإغراقها بالكليكات، وثانيا الشعور بالفيلم الذي سيسجل المشهد بكل طقوسه ومكوناته.
ولكن، بما أنني كنت في تلك الرحلة مصورا جوالا لم يكن لدي إلا ثلاثة أيام فقط في ذلك المنتزه بالإضافة إلى إنني قطعت ألاف الكيلومترات بالسيارة للوصول إلى المنتزه، فقد كنت مرهقا بتلك الذهنية الملّحة لالتقاط الكثير من الصور، والتي تقبع ببرود، حاليا، في ذاكرة القرص الصلب.
أيضا، مشكلتي أنني كنت مدجج، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، بالكاميرات والعدسات والأفلام. ولأنني ادرس التصوير فلدي هاجس الحصول على صور رقمية وفلمية ملونة و ابيض واسود.
ولكن في أخر يوم لي في المنتزه في الثاني عشر من أوجست وفي قمة الجبل المطل على مدينة شيروكي في ولاية نورث كارولينا قررت العمل على صورة أو صورتين فقط بكاميراتي من القطع المتوسط الماميا Mamiya 645) مع فيلم فوجي فيلفيا 50 من القطع المتوسط 120، والعدسة الواسعة (55مم). كان ذلك اليوم في فصل الصيف ولم أكن أتخيل أن تسقط درجة الحرارة بذلك الشكل الكبير إلى ما يقارب الصفر.
حين قررت استعمال فيلم الفوجي كانت الشمس تستعد للغروب. وبدأ التباين الكبير في التعريض في عدة نقاط في كادر الصورة. وضعت الكاميرا على الحامل واخترت الكادر المناسب وانتظرت لما يقارب النصف ساعة من أجل الغروب الكامل للشمس ومن اجل توازن أو تقارب التعريض في كادر الصورة. كنت أدرك ان التصوير بهذا الفيلم – المخصص للتصوير النهاري Daylight- أمر له مخاطره حين استعماله في غير ذلك ويعتبر أمرا مخالفا لأعراف الفيلم وكيميائه. أيضا كنت أدرك أن أي تعريض أطول من ثانية بالنسبة لهذا الفيلم سيدخلني في حالة ( Failure Reciprocity) ولكني كنت أحلم بصورة مشبعة بمكونات ذلك المنظر ومفعمة بروح المكان وكان هاجس التجريب حاضرا أيضا.
كنت اقرأ التعريض عن طريق جهاز قياس الضوء سيكونك sekonic. وكانت القراءة لا تختلف عن قراءة الكاميرا النايكون دي 200 الرقمية، ولكن مع غروب الشمس بدأ قارئ سايكونك يفقد قدرته على قراءة الضوء الخافت. لذا اعتمدت على التجريب باستعمال كاميرا النيكون لقراءة التعريض وتجريب تعريضات مختلفة ومشاهدة النتائج. ولأن هذه الطريقة لا تعني أن نجاح الصورة الرقمية نجاح الصورة الفيلمية إلا إنني أدرك ان تصويري بفيلم فوجي فيلفيا وبتعريض طويل هو حالة تجريب أكثر منها إدراك كامل لما سأحصل عليه من المشهد الذي أمامي، وكنت متوقعا انه لو نجحت صورة واحدة ستكون مبهرة.
أتت اللحظة المناسبة حين تقارب التعريض في اغلب أجزاء الكادر. وقررت اللجوء إلى (Bracketingالبراكيتينق) واستعملت نفس القراءة التي حصلت عليها من مقياس ضوء الكاميرا الرقمية. ما اذكره، ويحق لي النسيان -فالشيخ أنسل ادم كان نسايا- أنني كنت احرص على قراءة متوسط تعريض السماء لأنها الأكثر توهجا في الكادر.
قبل هذه الصورة التقطت صورتين للمنظر الذي كنت مقررا تصويره قبل الغروب. وبعد التعريض الثاني ظهرت هذه الغيمة في يمين الصورة مما أغراني بتحريك الكاميرا يمينا والتقاط هذا المشهد وبتعريضين مختلفين الأول ثانيتين، وهذه الصورة أربع ثوان. وبحق لا اذكر كم كانت فتحة العدسة ولكنها لم تكن أوسع منf11.
بسبب برودة الجو، ولأنني في الأساس أعمل في مرحلة FailureReciprocity اضطررت إلى ترك المكان بعد التقاط صورتين لمشهد أخر من نفس النقطة وبتعريض اقصر من أجل التجريب.
وبسبب هذه الظروف لم أكن متحمسا لتحميض الفيلم بعد العودة من الرحلة وانشغلت بتحميض الأفلام الأبيض والأسود وطباعتها واكتفيت بمشاهدة بعض الصور الرقمية للمكان. وفي 12/3/2010م، أي بعد ثمانية اشهر من التقاط هذه الصورة، احتجت الكاميرا الماميا، لأجد أن فيلم فوجي فيلفيا 50 لا يزال بداخلها محتضنا هذه الصورة الكامنة.
كانت الكاميرا خلال تلك المدة متروكة في درجة حرارة الغرفة العادية وهو أمر مخالف لتعليمات حفظ الأفلام الموجبة التي تحتم حفظها في ثلاجة.
دهشة هذه الصورة كانت عظيمة، لأن التصوير مع تلك الظروف: نحج، ولان الفيلم تُرك في درجة حرارة عالية -مقارنة بطاقته- لمدة ثمانية أشهر، ومع ذلك لم يفسد بسبب الحرارة.
لذا تعتبر هذه الصورة المعروضة هنا، والممسوحة من سكانر ايبسون المكتبية، بالنسبة لي حالة من متعة الممارسة الضوئية والتجريب وشهادة لأفلام الفوجي الفيلفيا المرهفة أنها قابلة لأن تدفع لأقصى من إمكانياتها.
تستفز ذائقتي كثيرا الأعمال الضوئية التي تحتوي على الألوان و بكل ثقلها، وهنا في هذا العمل وجدت رونق الألوان الممتع والتناغم اللوني بين الأخضر و الأزرق بتدرجاته الهادئة و تلك النكهة الوردية وظهور الأبيض على إستحياء..
شكرا مصلح فالعمل ممتع للغاية… و أهنئك عليه كثيرا كما أغبطك على ميزة التجريب لديك
سردك لقصة صناعة العمل لايقل متعة عن العمل نفسه، فقد عشت معك اللحظات بمتعتها كم شعرت ببرودة الجو ( :
تحياتي
تحياتي عبدالغفار.
شكرا لتعليقك..
متعة الكتابة ومشاركة هذه التجارب لا تقل عن متعة التصوير لانني ادري ان هناك من يقدر ويستمتع بمثل هذه التدوينات والخواطر الضوئية الكتابية.
وعقبال رحلات فوتوغرافية معا كسابق عهدنا.
كن بخير