فيلم “دبليو”.. الدين والإرث العائلي في سبيل صنع رئيس أمريكي
دبليو” الفيلم الجديد للمخرج اوليفر ستون يتناول حياة الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش منذ العشرينيات من عمره حتى رئاسته للبيت الأبيض. الفيلم ذو الطابع الكوميدي يعرض مراحل مفصلية من حياة الرئيس وبعض التفاصيل الدقيقة في علاقته بوالده الرئيس السابق جورج بوش. بالإضافة إلى تناوله لحياة عائلة بوش وآليات اتخاذ القرار في البيت الأبيض.
يلعب دور بوش الممثل جوش برولين الذي أدى الدور بشكل مبهر جدا. ربما للتشابه في الملامح، ولأنه وجد فرصة مع مخرج مهتم ومحترف في أفلامه التي تناول فيها سيرة الرؤساء الأمريكيين.
تبدأ مرحلة تصوير حياة بوش منذ عمر العشرينات. حيث كان عربيدا وسكيرا وعلاقته المتوترة بوالده بصفته يمثل عارا على عائلة آل بوش في مرحلة شبابه. وخلال سنوات القطيعة بين الأب – الذي كان يعيش لمواصلة مجد عائلة بوش- والابن، يجد دبليو طريقه إلى التدين والإيمان، وهذه المرحلة يصورها المخرج بشكل ساخر في علاقة دبليو مع القس الذي تحمس كثيرا لرجوع دبليو إلى المسيحية، ولكنه في مشهد آخر -أي القس- يشعر بالخوف حين يخبره دبليو بأنه تلقى نداء من الرب ليترشح للانتخابات الأمريكية عام 2000 .
الحياة الدينية للرئيس دبليو عرضها الفيلم كجزء مهم من طريق وصوله إلى البيت الأبيض، وقد استمد المخرج بعض الحقائق والمشاهد من فيلم وثائقي بعنوان “مع الرب في صفنا” أنتج عام 2004 عن علاقة الحزب الجمهوري بالمسيحيين الإنجيليكن، وتأثيرهم على الانتخابات واختيار الرئيس، وكيف بدأ التدين يدخل كعامل مهم وحاسم في اختيار الرئيس، وكيف بدأت الخطب الدينية والتعاليم المسيحية تبرز في الخطابات الرئاسية وتحديدا مرشحي الحزب الجمهوري.
الفيلم يصور عائلة آل بوش في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية، ففي حين يستقبل الرئيس السابق جورج بوش إعلان خسارته للرئاسة مقابل بيل كلينتون بالألم والهدوء، تظهر زوجته بربرا وابنه دبليو في أعنف حالاتهم كردة فعل على إعلان الخسارة، وربط ذلك بترك بوش الأب لصدام حسين حيا بعد تحرير الكويت.
وهذا الألم الذي أحدثته خسارة الأب، يصوره المخرج كسبب في اتخاذ بوش الابن قرار غزو العراق كانتقام شخصي لوالده. وفي مشهد آخر حين سقطت بغداد بعد الغزو عام 2003 تظهر الصورة ردة فعل جورج الأب وزوجته وشعورهم بالنصر على يد ابنهم الذي طالما اعتبراه غير قادر على تحقيق أي نصر أو مجد عائلي أو أمريكي. وفي أثناء اتخاذ قرار الغزو في البيت الأبيض يصور الفيلم أحد المشاهد الأكثر تأثيرا وحساسية حين يبدو كولن باول في أضعف حالاته أمام قرار الأكثرية المؤيدين للحرب . في حين رفضه لها . ثم موافقته عليها مجبورا بسؤال الرئيس له “هل أنت معنا؟”.
ومن أهم القضايا التي يعرضها الفيلم بشكل ساخر ومخيف هو آلية اتخاذ القرار في البيت الأبيض. إذ يصور الفيلم العملية بشكل يثير صدمة لدى المشاهد الذي يدخل في تفاصيل وآليات اتخاذ القرارات في أهم حكومة في العالم. كما يظهر الفيلم كيف تجري العلاقات بين أعضاء الحكومة بقيادة جورج دبليو بوش بعيدا عن الكاميرات والإعلام. كما يوبخ الفيلم الرئيس بطريقة ساخرة في نقد سلوكياته في الحديث والأكل وسطحيته وافتقاره لسرعة البديهة، وفي بعض المشاهد يبدو الرئيس بوش مثيرا للشفقة والتعاطف.
الفيلم الذي يصنف كسياسي ودرامي وكوميدي وديني مشحون في معظم مشاهده بالنقد الساخر المباشر للرئيس، ولكنه يعرض قصة درامية بطريقة احترافية. ويمكن أن تبقى الكثير من المشاهد محل مساءلة لمدى مصداقيتها كفيلم سيرة، ولكنه في مجمله يعرض بما لا يدع مجالاً للشك أن الدين والإرث العائلي هما السبب الرئيسي لوصول الابن دبليو إلى الرئاسة.
وربما يضع سؤالا ساخرا للمشاهد عن إمكانية وصول أي شخص مهما كانت مؤهلاته إلى البيت الأبيض. وربما اعتبر الفيلم آخر وأرقى أشكال السخرية التي تلقاها الرئيس جورج دبليو بوش مع اقتراب نهاية فترة رئاسته