تستاهل يا ابراهام لينكون
تستاهل يا ابراهام لينكون
مصلح جميل
خلال ساعات من التجول حول النصب التذكاري للرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية أبراهام لينكون في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي 8/2009، التقطت بالصدفة وحدها هذه الصورة لسيدة تجلس على ركبتيها أمام مدخل النصب التذكاري وتحتضن ولدها بيدها اليسرى وتشير إلى النصب بيدها اليمنى لتحكي لصغيرها قصة ما.
هذا النصب التذكاري الذي بني في العقد الثاني من القرن الماضي ليضم هذه المنحوتة الرخامية للسيد الرئيس أبراهام لينكون، نحتها النحات الأمريكي (دانييل تشيستر فرانس). تتضمن جدران النصب التذكاري أجزاء من خطابات لينكون الشهيرة، خاصة وانه كما يقول عنه المؤرخين حافظ الاتحاد الأمريكي بعد انفصال ولايات الجنوب التي قادت إلى الحرب الأهلية الأمريكية التي استهلكت ما يقارب نصف مليون نسمة، وكان محركها الرئيسي رفض ولايات الجنوب تحرير العبيد والانفصال عن الاتحاد.
ومن العبارات المنقوشة على هذا النصب التذكاري الذي بنى على شكل معبد إغريقي..
“في هذا المعبد
كما في قلوب الشعب
لذلك الذي أنقذ الاتحاد
ذكرى أبراهام لنكولن
مكرسة إلى الأبد”
ومن هذه العبارة شعرت بأن هذه الصورة هي من أهم ما التقطت من صور للناس حول هذه المنحوتة العملاقة التي يصل ارتفاعها إلى ستة أمتار لتظهر السيد لنكن بهذه المهابة والخشوع. هذه الصورة التقطت بعد غروب الشمس وكنت قد حضرت ظهرا إلى النصب من اجل التقاط الصور والتجول في المنطقة المحيط به التي تشمل العديد من النصب التذكارية والمتاحف، وقد أخذت صور عامة للمكان كصور توثيقية ليس إلا، وقررت أن أعود عصرا وابقي حتى العاشرة مساءا من اجل التقاط صور للناس حول النصب التذكاري. لم أكن مخططا لهذه الصورة بالذات فقد كنت استعمل الحامل الثلاثي خارج النصب التذكاري وأوجهها باتجاه السيد الرئيس لالتقاط بعض الصور وتجريب بعض السرعات للغالق، وفجأة انحنت هذه السيدة وجلست على ركبتيها ومسكت بصغيرها بيدها اليسرى مواجهين السيد الرئيس الذي بدأ في الصورة قريبا منهم نظرا لاستعمالي عدسة ببعد بؤري 70 ملم، لانني كنت اقف بعيدا نوعا ما عن مدخل النصب التذكاري ولم اتمكن من الاقتراب أكثر لالتقاط هذه الصورة بشكل اقرب وأوسع، حيث أن هذه الصورة مجتزئة من الصورة الرئيسية وتمثل سدس الكادر تقريبا، والصورة الأصلية يظهر بها الكثير من الناس حول المكان مما اضطراني لالتقاط هذه الصورة بأسرع ما يمكن حتى لا تختفي المرأة والطفل بين الناس الداخلين للنصب التذكاري أو لا يحيل بيني وبينهم أي شخص مار. بالإضافة إلى أنني استعمل سرعة بطئية جدا وهي 1.6 جزء من الثانية وكانت الكاميرا في الوضع العادي مما يعني أن أي برمجة لمحاولة الحصول على سرعة أعلى بتعديل فتحة العدسة ( @f7) أو زيادة الحساسية يمكن أن تفوت هذا المشهد. كانت صورة واحدة فقط لتختفي السيدة وطفلها بين الناس.
انحناءة هذه السيدة التي افترض أنها أمريكية وبتلك الضمة الحانية لصغيرها أمام السيد لينكن تبدو لي أنها أرقى واجل صور الاحترام لمجرد منحوتة رخامية ولكن تمثل ذلك الذي كتب خلفه أن ذكراه مخلدة في قلوب الشعب.
يستاهل السيد الرئيس أبراهام لينكون هكذا حضور من جيلين من أبناء أمته بعد أكثر من مئة وخمسين عاما على وفاته حين اغتيل على بعد بضعة كيلومترات من هذا النصب التذكاري في احد مسارح واشنطن العاصمة بعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية.
الرئيس أبراهام لينكن لم يعرف له دين، فحين يقال بأنه مسيحي لم ينضم إلى أي كنيسة، يقال أيضا انه علماني، في حين انه استشهد بالإنجيل في بعض خطبه ووردت كلمة (الله) كثيرا في عباراته الشهيرة. يقول في احد خطاباته حين أصبحت الحرب الأهلية الأمريكية امرأ لا بد منه: ”انأ اعلم أن الله مع جبهة الحق دائما، ولكن قلقي ودعائي أن أكون أنا وهذه الأمة مع جبهة الله”
ومن مقولاته التي يمجد فيها العامة من الناس واعتقد أن هذه السيد وصغيرها من هؤلاء العامة الذين تحدث عنهم: “عامة الناس أفضل ما في العالم، وذلك السبب في أن الله خلق منهم الكثير.”
لقد شاهدت خلال ساعات البقاء في النصب التذكاري أناس يأتون لالتقاط الصور التذكارية ثم يخرجون. أناس يضحكون ويتحدثون، آخرون ينضرون أيضا بهيبة ووقار للمنحوتة الرخامية، ولكن مثل وضعية هذه الأم وصغيرها كانت هي الأكثر تعبيرا عن تلك العبارة.
قرأت التدوينة عدة مرات و تأملت الصورة طويلاً …
أعجبني مزجك الرائع لدرس التصوير مع درس التاريخ الذي نعلمه و نجهله في آن واحد …
لا تعليق يناسب روعة هذه اللحظة الخالدة في عقل و ذاكرة ذلك الطفل
أهلين محمد.. الجميل في هاللحظة انها تجربة حياتية خارج اسوار المدرسة والكتب. تحياتي وشكرا لتواصلك
الله عليك استاذ مصلح
ابحرت طويل وانا أتامل ابداعك وفن التعبير الممزوج بفن العدسة
مثل ما قلت عن اللحظه المهمه لهذا الطفل، بالتأكيد هي أبلغ من سنة دراسة حتى يعرف قيمة هذا الرجل
تحياتي لك ولقلمك ولعدستك المميزة
تحياتي لك يا محمد. وشكرا لك على تعليقك. كن بخير