Visualization

 

beaver-park-2

وهي عملية مهمة أثناء التصوير بالأبيض والأسود، بل تكاد تكون العامل الأساسي في الحصول على صورة ابيض واسود جيدة، والجودة تكون لأسباب أهمها التونات الظاهرة في الصورة tonality   .  الصورة هنا ملتقطة رقميا ومن ثم تم التحويل إلى الأبيض والأسود رقميا من خلال الفوتوشوب. المشهد يقع في منتزه (بيفر بلند) الواقع على حدود ثلاث ولايات أمريكية هي اركانسا، تاكسس واوكلاهما التي تضم المنتزه رسميا. أثناء رحلة التخييم مع اثنين من الأصدقاء في المنتزه نهاية شهر June 2009. كان هذا النهر هو الأكثر جاذبية في منتزه مليء بالبحيرات والأنهار الكسالى.

وقبل أن ابدأ في الحديث عن هذه الصورة اقول أن مفهوم “الفيجوالايزيشن” من المفاهيم التي تحدث عنها انسل آدمز، وكان يطلق عليها ايضا previsualization وعندما استشهد بحديث انسل ادمز عنها، فلأنه يعتبر مؤسس “الزون سيستم”، الذي يعتبر الدليل والأسلوب للحصول على التونات ما بين الأبيض والأسود. والتخيل أو التصور لما ستكون عليه الصورة هو عملية رؤية المشهد بعين ذهنية تتخيله ابيضا واسودا وتفصل المشهد بناءا على درجات الرماديات والابيض والاسود كما هو في الزوون سيستم. وهكذا تخيل لا يمكن أن يتم بطريقة صحيحة وعملية بدون فهم حقيقي لـ الزوون سيستم. والزوون سيستم لا يمكن القراءة عنه وفهمة بدون دراسة الصور والتحميض والطباعة الكيميائية والخطأ والتجريب.

 **

رغم إننا بقينا لمدة ثلاثة أيام تقريبا في المخيم، وكان الهدف من رحلة التخييم هو قضاء (ويك اند) للترفيه بعد الدراسة المتواصلة لفصل الربيع والشهر الأول من الصيف حيث تشبعنا بكورسات التصوير والفلاشات وكمبيوترات الماك. شخصيا كنت متزود بكاميراتين من القطع المتوسط. إحداهما ثنائية العدسة (6X6) مزودة بأفلام الفورد (Delta 100) التي أحببتها بعد أربعة اشهر من التصوير بها ومن ثم التحميض والطباعة على أوراق الالفورد. الكاميرا الأخرى الماميا كانت مزودة بفيلم فوجي (Delta 100 ). بالإضافة إلى كاميراتين من نايكون من القطع الصغير، احدهما رقمية Nikon D200 –وهي التي تم التصوير بها هنا – والأخرى مزودة بفيلم الفورد (T MAX 100) الأبيض والأسود.

كنت منهكا في ثاني أيام رحلة التخييم من السباحة في الأنهار والبحيرات بالإضافة إلى التجول على الأقدام، والإنهاك الحقيقي من النوم داخل كيس نوم اكتشفت انه أسوء ما قد تم صنعه، ويكفي أن صاحب العلامة التجارية والمسوق له “الوول مارت”. في اليوم الأولى لوصولنا، قمنا باستكشاف المنطقة، وقررنا أن يكون صباح اليوم التالي للبحث عن أماكن للتصوير، وكان النهر مدهشا، وباردا جدا.

 في صباح يوم السبت في رحلتنا للتجول على الأقدام بمحاذاة النهر، اكتشفت هذه النقطة بالتحديد. وقررنا العودة لها عند وقت الغروب لالتقاط الصور. وبالفعل عدنا مساءا وأنا محمل بكامل العدة. ولكنني كنت منهك جدا لدرجة إنني شعرت بأن استعمال مقياس الضوء (sikonic ) الذي احمله دائما للاستعمال مع الكاميرات الفلمية، بالإضافة إلى ووزن الكاميرات المتوسطة سيكون تعبا إضافيا. لذا شعرت ان الكاميرا الرقمية هي الأسهل للاستعمال لسهولة التركيب على الحامل الثلاثي ولأنها مزودة بمقياس للضوء بالإضافة الى إمكانية التقاط عشرات الصور. في حين أن استعمال الكاميرا متوسطة الحجم يعني أن لدي 12 صورة فقط في كل فيلم، ممي يعني دراسة كل صورة جيدا قبل التصوير.

عندما وضعت الكاميرا باتجاه هذا المشهد الذي اخترته مسبقا، كنت قد قررت مسبقا أنني سأقوم على تحويل هذا المشهد إلى الأبيض والأسود، والسبب هو تخيلي لجماليات انسيابية المياه الحريرية البيضاء مع الأغصان وبقية عناصر المشهد التي تسقط في التونات الغامقة من درجات الأبيض والأسود. كنت أتخيل أيضا حركة الماء المتجه من اليسار إلى اليمين مع حركة الأغصان والجذور اليابسة المتجهة في ذات الاتجاه. كانت الصعوبة في اختيار التكوين المناسب من حيث إعطاء مساحة أكثر للأغصان أم لـ المياه المتدفقة التي اخترت لها سرعة بطيئة نوعا ما هي ثانية واحدة، ولكن مع قراري مسبقا المبنى على تخيل المشهد سيكون أجمل في كادر مربع.

فتحة العدسة كان اختيارها إجباريا من أجل الحصول على السرعة المطلوبة لذا كان الخيار المتاح هو فتحة عشرين، مع السرعة التي ذكرتها بأنها ثانية واحدة. والثانية الواحدة هنا بناء على المعطيات (الضوء والموضوع وسرعة تدفق المياه وكمية المساحة من الصورة التي تشغلها المياه ) مناسبة جدا.

**

في الحقيقة أن التصوير بالأبيض والأسود أو تخيل مشهد بالأبيض والأسود ومن ثم تصويره لا يمكن أن ينحج بدون قراءة الضوء بدقة. ورغم أنني احمل معي قارئ الضوء الذي كان يمكن أن يعطيني بدقة القراءة الصحيحة لنقاط من الكادر إلا إنني تكاسلت كثيرا في استعماله وقررت ان اعتمد على اختيار القراءات الممكنة حسب الضوء المتاح في المكان والذي كان تحديدا بقايا ضوء الشمس التي اختفت تقريبا خلف الجبال، بالإضافة إلى أن الأهمية الكبرى كانت تكمن في الحصول على التأثير الحريري للمياه وهو ما يقع حسب تدفق المياه وكميتها وزاوية التصوير ما بين ثانية وثانية ونصف وربما ثانيتان.

بعد التقاطي لعدة صور، شعرت أن ما تبقى علي عمله لاحقا هو التعديل إلى الأبيض والأسود رقميا. أما الكادر المربع فقد كان محدد مسبقا بعد أن قررت أن اقسم الكادر إلى نصفين ( نصف لمياه النهر مقسم إلى ثلاثة أجزاء وأخر للأغصان/اليابسة).

 **

بقي أن أقول إن التصوير الرقمي الملون أو حتى الأبيض والأسود ومن ثم التحويل بالفوتوشوب إلى الأبيض والأسود ( لا يمكن ) أن يعطي النتائج التي يمكن الحصول عليها في المعمل الكيميائي. وعندما أقول لا يمكن لا يعني عدم الرضا أو عدم الاقتناع بنتائج الأبيض والأسود الرقمية سواء كنهاية رقمية (صورة على الانترنت ) أو كنهاية صلبة (كصورة مطبوعة). إنما لا يمكن مقارنة الجودة بتلك الناتجة من طباعة كيميائية من ناحية التوناليتي والتباين حتى في الطبعات الصغيرة. خاصة أن التعامل مع ملف رقمي بالفوتوشوب لمحاولة إعطائه التباين والتوناليتي المطلوبة تستدعي استعمال الكثير من الأدوات في برنامج الفوتوشوب مثل أداة الحرق والتبييض والتي تؤثر بشكل كبير على جودة الصورة، عكس الحرق والتبييض الذي يتم في المعمل الكيميائي التي تعطي المناطق المحروقة عمق وتباين أفضل مع بقية التونات. ايضا التباين في المعمل الرقمي يتم عن طريق إضافة المزيد من فلاتر الكونتراست الرقمية التي تؤثر بشكل صارخ على جودة العمل. عكس ما تعطيه الفلاتر التباينية في المعمل الكيميائي.

من الخصائص المهمة التي تعطينا الكاميرات الرقمية في مثل هكذا وضع هو قراءة الهستوقرام. وهو مهم جدا لمن يدرك كيف يقرأ المعطيات. ورغم ذلك لم استفد منه في هذه الحالة إطلاقا، بل لما الجأ إليه. لأنني كنت أصور بكادر مستطيل بينما في نيتي القيام بقصه ليصبح مربعا مما يعني ان القراءات الهيستوقرامية لن تكون صحيحة لو بنيت عليها قراراتي في تعديل الإعدادات لفتحة العدسة وسرعة الغالق. ايضا ملفات الرو RAW  قد تكون مهمة في التصوير الرقمي بشكل عام وقد تكون مهمة اكثر هنا في وضع مثل وضع التصوير بسرعات بطيئة وفي مشهد مليء بالتباينات مثل هذا المشهد. ولكنها -اي الملفات الخام- لن تتحمل ما يتحمله الفلم من تباين في التعريض. ففي حين تميل الملفات الرقمية الى التحبب في مناطق الظل حين العمل على زيادة تعريضها رقميا في برنامج فتح ملف الرو، بالاضافة الى ان المناطق المغسولة تماما من التفاصيل نتيجة التعريض المرتفع لا يمكن لبرنامج فتح ملفات الرو ان يسترجعها، عكس شريحة الفلم التي يمكن ان تحتفظ بالكثير من التفاصيل في كلتي المنطقتين، ويمكن التحكم بالفيلم اثناء التحميض او التعريض.

أخيرا، تبقى مسألة التخيل او التصور للمشهد نوع من محاولة تجريد الطبيعة وتخيل شيء اخر غير ما تراه العين، فتصبح العملية ذهنية اكثر منها عملية فيزيائية، وهذا امر يحتاج الى التدرب بالنظر والتأمل أكثر من التصوير والتعديل الرقمي ومحاولة الحرق هنا والتبييض هناك بدون تصور مسبق للمشهد قبل التصوير. ايضا من المهم قراءة اعمال انسل ادمز ومحاولة تطبيق الزووم سيستم عليها لمعرفة كيف كان يصور ويطبع. وقراءة تعليقاته على اعماله الخالدة.

رغم سعادتي بهذه الصورة كتجربة ناتجة عن اختيار المكان والزمان والتخيل قبل التصوير ورغم أنها ربما الوحيدة التي اعتبرها حصيلة تلك الرحلة التي كنت مدججا خلالها بأفلام الأبيض والأسود وثلاث كاميرات فيلمية، الا انني أتمنى إنني صورتها بفيلم ابيض واسود من اجل جودة أكثر.

هذه التدوينة عبارة عن سردية لـ تجربة فوتوغرافية شخصية.

Share:

2 thoughts on “Visualization

  1. أثير علي |

    العزيز مصلح

    دعني أبارك لك بيتك الجديد الذي شدني في تفاصيل اثاثه هذه الكنبة الجميلة، وهي جميلة لأكثر من وجه : لأنها تحكي عن الشكل الجديد لادب الرحلات الذي تكتبه الصورة، هو أدب الصورة الذي يحكي عن دربة العين في اكتشاف الخبيئ من المكان، لأنها فقط صارت تنظر بنحو فوتوغرافي.

    ولأنها تقترب من تفاصيل الابيض والاسود في المختبر الجديد، مختبر ناعم قائم على تسييل الصورة وتوريط اليد بكل الوان الفرشات، جربت قبل مدة ان امتلأ بروح آنسل آدم وانا اقرا سطوره واشاهد حوارته وانظر الى نتاجاته التي لا يمكن التخمين بزمنها البعيد، ان ترى صوره مطبوعة على الورق الفاخر لا يشبه في كل الاحوال هذا المتناثر والمتطاير على شكل بكسلات في النت…كان الزون سيستم يمثل خلاصة دروس البلاغة الضوئية آنذاك، ولا أحسب أن أدوات الفوتوشوب على خصوبتها …قادرة على تبسيط هذه النظام وتحويلها الى ازرار.

    سأذكر مسألة فقط تتعلق بــVisualization ، والتي وجدت البعض يصفها بــ Pre-visulization ، وكنت أشعر أن هذا الوصف الأخير هو الاقرب لتصور آنسل ادمز حسب التعريف الذي قدمه عبر كتبه التعليمية، وإن كان هو قد عمد الى استخدام الاول.

    بإنتظارك عند أقرب صورة

    محبتي

    أثير

  2. عبدالغفار المطوع |

    ألف مبروك عزيزي مصلح على هذا المكان الأنيق ( ألوان هادئة و تصميم بسيط ومريح ) ربما جاز لي أيضا أن أسميه “ديوانية مصلح جميل”

    ويشرفني أن أكون من أوائل الزائرين المهنئين والمواكبين لإنشاءه وتطويره إن شاء الله.

    إستمتعت كثيرا بإفتتاحية قسم التصوير الفوتوغرافي ( Visuliation ) وأعادت إلى ذكراتي اياما رائعة قضيناها معا في رحاب الضوء

    كل التحايا وصدق المودة و المحبة لك أيها العزيز و دمت متألقا

Leave a Reply

Your email address will not be published.Please enter all required information below!