إليان قونزاليس البطل والضحية
من الصور الصحفية التي منحت مصورها جائزة البولتزر، لفئة صور الاخبار العاجلة، هذه الصورة لشرطي امريكي فدرالي اقتحم –مع افراد شرطة اخرين من القوات الخاصة– بيت أقرباء الطفل الكوبي اليان قونزالس في ميامي في الثاني والعشرين من ابريل ٢٠٠٠م.
الصورة لها أهمية كبيرة، واثارت جدلا وردود فعل شعبية وحكومية ومعارك اعلامية وسياسية.
والقصة المختصرة، أن اليان قونزالس غادر كوبا وهو في السادسة من عمره برفقة والدته وبضعة كوبيين اخرين كمهاجرين غير شرعيين يطمحون للوصول الى ميامي الامريكية. غرق قاربهم، ولم ينج الا الطفل واثنين اخرين لم تكن والدته من ضمنهم! انقذ اثنين من صيادي الاسماك الطفل ومن نجى معه وسلموهم للسلطات الامريكية التي بدورها سلمت الطفل الى اقرباءه –الامريكيين من اصول كوبية– في ميامي لحين النظر القضائي في قضيتهم كمهاجرين غير شرعيين.
وبدأ جدل شعبي وحكومي امريكي وكوبي ودولي حول الطفل حين طالب والده المقيم في كوبا بأن يعاد طفله إليه في كوبا لانه غادر مع والدته بدون علمه (والدة قونزالس كانت قد غادرت كوبا بطريقة غير شرعية مع صديقها وبدون علم والد قونزالس!). ونظرا لوجود قانون خاص بالمهاجرين الكوبيين لامريكا قد يمنحهم حق الاقامة في امريكا، رفض أقرباء قونزالس في ميامي فكرة إعادته الى كوبا، ولكن حكم المحكمة الفدرالية الامريكية كان يقضي بإعادة الطفل لكوبا. وتدخلت الجالية الكوبية في ميامي برفض حكم المحكمة والتجمهر امام منزل اقرباء الطفل.
لم تجد الحكومة الامريكية بداً من الدخول عنوة الى المنزل لأخذ الطفل واعادته الى والده! وفي هذه الصورة التاريخية التي وثق فيها مصور وكالة الاسوشيتد برس )ألن دياز( مشهدا تاريخيا يظهر فيه شرطي امريكي يحمل بندقية الية وينتزع الطفل من حظن (دوناتو دالريمبلي) بعد ان عثر عليه مختباءا في خزانة الملابس! وبالمناسبة كان المصور دياز في البيت بدعوة من اقرباء الطفل لتوثيق حدث كهذا!
* دوناتو هو واحد من أثنين صيادين انقذوا الطفل قونزالس من الغرق! (استمع الى تعليقه على هذه الصورة وحديثه عن ليلة اخذ قونزالس).
في اليوم التالي نشرت الصورة واثارت جدلا سياسيا كبيرا ولكنها منحت مصورها جائزة راقية! ولكنها –اي الصورة– لم تكن اجمل صورة تتمنى الحكومة الامريكية ان تنشر عن هكذا حالة إنسانية سياسية! لذا حين سلمت الحكومة الامريكية الطفل الى والده وبعض افراد اسرته (حينها كانو في قاعدة عسكرية في ميرلاند الامريكية بانتظار وصول الطفل) –أُلتقطت له مع والده واقرباءه بعد عدة ساعات من غارة الشرطة صورة يظهر فيها قونزالس مبتسما سعيدا. أي أن قونزالس الباكي والخائف في الصورة الاولى، يبدو مع والده سعيدا! ولكن هذه الصورة لقونزالس المبتسم اثارت جدلا ايضا عن كونها صورة مفبركة! او صورة دبرتها الحكومة الامريكية! بل اصبحت قضية هذه الصور -كما كتب عن الصورتين- حرب بين صورتين الاولى يستعملها معارضو اعادة قونزالس الى كوبا والصورة الاخرى يستعملها المؤيدين لاعادته الى كوبا!! ومهما يكن تفسير وقراءة صورة دياز، فأنها صورة صحفية قوية وتستحق الجائزة التي حصدتها، حتى وان كانت تظهر الحكومة الامريكية بصورة سيئة ممثلة بجنديها المدجج بالاسلحة والعتاد وكأنه في حرب، وتغييب -اي الصورة-كثير من تفاصيل هذه القصة الطويلة والمعقدة!
ومن المفارقات، ان المصور الامريكي ( ألن دياز) عاش في كوبا ودرس التصوير مع المصور الكوبي الشهير بـ كوردا، الذي التقط الصورة الشهيرة لـغيفارا
ومن المفارقات المهمة على المستوى الشخصي 🙂 انني كنت في تلك الايام سائحا في ميامي. وشهدت اول مظاهرات في حياتي! حيث قام بعض افراد الجالية الكوبية في ميامي –الرافضين لاعادة الطفل الى كوبا – باحراق الاطارات والقيام باعمال شغب. شهدت من تلك المظاهرا المسيرات والاعلام الكوبية التي كانت حينها حدثا تاريخيا بالنسبة لي، كما ان مشاهدة التلفاز يعرض مشاهد للمظاهرات واحراق الاطارات في الشارع المجاور للفندق كانت مثيرة!
قونزالز الظاهر باكيا وخائفا في الصورة اصبح حالة اعلامية وسياسية وقومية وسياحية ضخمة! فمنزل عمه الذي احتضنه في ميامي تم تحويله الى متحف! وتـُركت غرفته في المنزل كما تركها ليلة ان اخذته الشرطة بالقوة. وفي الجزيرة الكوبية اصبح قونزالس بطلا قوميا استقبله الرئيس الكوبي كاسترو واصبح بروبوقاندا للشيوعية والقومية الكوبية! وفي الجانب الاخر ينظر الى قونزالس كضحية سياسية وعبد للديكتاتورية.
انها قوة الصورة الفوتوغرافية ومفارقاتها حين تصنع أبطالا وضحايا في ذات اللحظة والمشهد.
*استعملت في هذه التدوينة عدة مصادر، ربما لا تكون الاكثر موثوقية في قضية جدلية كتب ونشر عنها الكثير، لذا جرى التنويه.