عوض القرني من الحداثة إلى الفيسبوك
نحن من أكثر شعوب الأرض تعرضا للصدمات التقنية والحضارية، إذ إن أي فكرة أو منتج يأتي إلينا يمر بعدة مراحل من تحريم ورفض ثم سوق سوداء واستعمال واستغلال وتمجيد. ردة فعلنا تجاه أي فكرة أو منتج ردة فعل مليئة بالحيرة والخوف والرغبة. وهذه ليست جمل وصفية اعتباطية أو تهجمية بقدر ما هي محاولات لتلخيص تاريخنا في الـ “كم” سنة الماضية. الأطباق الفضائية “الدشوش” كمثال، كانت تتعرض قلوبها/لواقطها في منتصف التسعينات لقصف بـ “الساكتونات” من أجل تدميرها، والآن كم دشا في المملكة؟ الله وحده يعلم كم تدفع بعض الأسر من أجل الاشتراكات والحصول على صحن فضائي وصحن كبسة. مثال آخر، كيف رفضنا وحرمنا جوال أبو كاميرا قبل عدة سنوات. ثم تعالوا الآن لتأمل أرقام مشتركي الهاتف وأعداد الأجهزة المزودة بكاميرات!
الأمثلة كثيرة والتاريخ شاهد. أما لماذا نحن (أكثر)؟ فلأننا بنينا حولنا هالة من الشعور بالاختلاف والخصوصية عن شعوب الأرض، ولأن لدينا المال لنشتري والرغبة بالاستهلاك أصبحنا سوقا مستهدفة.
وآخرالأمثلة التي تضاف إلى سيرتنا مع المنتج والفكرة هو ما قاله الدكتور الشيخ عوض القرني في حديثه لقناة العربية. واستشهادي بحديث الشيخ وتجربته لأنها تلخص آلية تفكير الحشود/تفكيرنا. ولأن الدكتور شخصية عامة فعليها تقبل النقد والحضور في هكذا مقال، فصاحب كتاب “الحداثة في ميزان الإسلام” يقول خلال اتصال مع قناة العربية، “إنه يبحث إمكانية مقاضاة موقع “الفيسبوك” قانونيا، معتبرا حجب صفحته على الموقع إضرارا به وإساءة لسمعته”. والدكتور عوض الذي شوه فكر الحداثة وأخاف الناس منه يدري أو ربما لا يدري أن الفيسبوك ما هو إلا منتج لتراكم تجربة الإنسان منذ عصور ما قبل الحداثة مرورا بالحداثة وما بعدها. الفيسبوك هو منتج غربي بفكر غربي لمجتمع غربي ولكننا كمسلمين وسعوديين تحديدا رفضناه وحرمناه ثم استعملناه واستغله البعض أسوأ استغلال ثم مجدناه. والآن سندك المحاكم الغربية طلبا له. إنها حالتنا “الخصوصية” وتلخيص نتاج الصدمات الحضارية والتقنية لأن لدينا المتشككين والخائفين. ومع ذلك تبقى حالة تقبلنا -حتى لو في مراحل متأخرة- لأي منتج أو فكرة عصرية إنسانية أمرا محمودا، ولكن إلى متى مرحلة التحريم والتشكك هي ردة فعلنا الأولى؟
مصدر الكارتون: الرسام ربيع. جريدة الرياض.
مصدر المقالة: جريدة الوطن. العربية نت.